فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في الآية قال: هذا مثل ضربه للقلوب يقول: ينزل الماء فيخرج البلد الطيب نباته بإذن الله: {والذي خبث} هي السبخة لا يخرج نباتها إلا نكدًا، فكذلك القلوب لما نزل القرآن بقلب المؤمن آمن به وثبت الإِيمان في قلبه، وقلب الكافر لما دخله القرآن لم يتعلق منه بشيء ينفعه، ولم يثبت فيه من الإِيمان شيء إلا ما لا ينفعه، كما لم يخرج هذا البلد إلا ما لم ينفع من النبات والنكد: الشيء القليل الذي لا ينفع.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {والبلد الطيب يخرج نباته} بنصب الياء ورفع الراء.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد {والبلد الطيب...} الآية. قال الطيب ينفعه المطر فينبت {والذي خبث} السباخ لا ينفعه المطر {لا يخرج نباته إلا نكدًا} هذا مثل ضربه الله لآدم وذريته كلهم، إنما خلقوا من نفس واحدة فمنهم من آمن بالله وكتابه فطاب، ومنهم من كفر بالله وكتابه فخبث.
وأخرج ابن جرير عن قتادة {والبلد الطيب} الآية. قال: هذا مثل ضربه الله للكافر والمؤمن.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير، أصاب أرضًا فكانت منها بقية قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأً، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {بإِذْنِ رَبِّهِ} يجوزُ أن تكون الباء سببية أو حالية وقرئ: {يُخْرِجُ نَبَاتَهُ}، أي: يخرجه البلد وينبته.
قوله: {والَّذِي خَبُثَ} يريد الأرْضَ السَّبخةَ التي لا يخرج نباتها.
يقال: خَبُثَ الشَّيءُ يَخْبُثُ خُبثًا وخَبَاثَةً.
قال الفراء: قوله: {إلاَّ نَكِدًا} فيه وجهان:
أحدهما: أن ينتصب حالًا أي عَسِرًا مُبْطئًا.
نَكِدَ يَنْكَدُ نَكَدًا بالفَتْحِ، فهو نِكدٌ بالكسر.
والثاني: أن ينتصب على أنَّهُ نَعْتُ مصدرٍ محذوفٍ، أي: إلاخروجًا نَكدًا، وصف الخروج بالنَّكد كما يوصَفُ به غيره، ويؤيِّدُهُ قراءة أبي جعفر بن القَعْقَاعِ: {إلاَّ نَكَدًا} بفتح الكاف.
قال الزَّجَّاج: وهي قراءة أهْلِ المدينةِ، وقراءة ابن مصرِّف: {إلا نَكْدًا} بالسُّكُونِ وهما مصدران.
وقال مكيٌّ: هو تخفيفُ نَكِد بالكَسْرِ مثل كَتْفٍ في كَتِف.
يقال: رجل نَكِد، وأنْكَد، والمَنْكُود: العطاء النَّزْرُ وأنشدوا في ذلك: [السريع]
وأعْطِ مَا أعْطَيْتَهُ طَيِّيبًا ** لا خَيْرَ في المَنْكُودِ والنَّاكِدِ

وأنشدوا: [المنسرح]
لا تُنْجِزُ الوَعْدَ إنْ وَعَدْتَ وَإنْ ** أعْطَيْتَ أعْطَيْتَ تَافِهًا نَكِدا

وقرأ ابن أبي عبلة وأبو حيوة وعيسى بْن عُمَرَ: {يُخْرَج} مبنيًّا للمفعول، {نَبَاتُه} مرفوعًا لقيامة مقام الفاعل، وهو الله تعالى.
وقوله: {والَّذِي خَبُثَ} صفة لموصوف محذوف، أي: والبلد التي خَبُثَ، وإنَّما حذف لدلالةِ ما قبله عليه، كما أنَّهُ قد حذف منه الجار في قوله: {بإِذْنِ ربِّهِ}، إذ التقديرُ: والبلد الذي خَبث لا يخرج بإذن ربه إلا نَكِدًا.
ولابد من مضاف محذوف: إمّا من الأوَّلِ تقديرُهُ: ونبات الذي خبُث لا يخرج، وإمَّا من الثَّاني تقديره: والذي خَبُثَ لا يخرجُ نباته إلا نكدًا، وغاير بين الموصُوليْنِ، فجاء بالأول بالألِفِ واللاَّمِ، وفي الثَّاني جاء بالذي، ووُصِلَتْ بفعل ماض.
قوله: {كَذَلِكَ} تقدم نظيره.
{نُصَرِّفُ الآيات}.
قرئ: {يُصرِّفُ} أي يصرفها الله. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)}.
إذا زكا الأصلُ نما الفرع، وإنْ خبُث الجوهر لم يَطبْ ما تحلَّل منه، وإن طاب العنصر فالجزء يحاكي أصله، والأَسِرَّةُ تدل على السريرة، فَمَنْ صفا باطنُ قلبه زكا ظاهرُ فعله، ومن كان بالعكس فحاله بالضد. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: عرّف ذاته للخلق بصفات الهوية والألوهية والقادرية والخالقية والمدبرية والحكيمية والاستوائية فقال: {إن ربكم الله} الآية وإنما خص ستة أيام لأن أنواع المخلوقات ستة:
الأوّل الأرواح الإنسانية.
(ب) الملكوتيات منها الملائكة والجن والشياطين وملكوت السموات والأرض ومنها العقول المفردة والمركبة.
(ج) النفوس السماوية الأرضية.
(د) الأجرام البسيطة العلوية كالعرش والكرسي والسموات والجنة والنار.
(هـ) الأجسام البسيطة السفلية وهي العناصر، والأجسام الكثيفة المركبة من العناصر، فلما خلق الأنواع الستة استوى على العرش بعد الفراغ من خلقها استواء التصرف في العالم وما فيه. وخص العرش بالاستواء لأنه مبدأ الأجسام اللطيفة القبلة للفيض الرحماني. والاستواء كالعلم صفة من صفاته لا يشبه استواء المخلوقين كما أن علمه لا يشبه علم المخلوقين. ومن أسرار الخلافة الروح تتصرف في النطفة أيام الحمل فتجعلها عالمًا صغيرًا، فبدنه كالأرض. ورأسه كالسماء والقلب كالعرش، والسر كالكرسي، والقلب يقسم فيض الروح إلى القالب كما أن العرش يقسم فيض الإله إلى سائر المخلوقات {يغشى} أي يستولي ليل ظلمات النفس وصفاتها على نهار أنوار القلب وبالعكس. {ألا له الخلق} بواسطة {الأمر} بلا واسطة {ادعوا ربكم تضرعًا} بالجوارح {وخفية} بالقلوب. أو تضرعًا بأداء حق العبودية وخفية بمطالب حق الربوبية {إنه لا يحب المعتدين} الذين يطلبون منه سواه {ولا تفسدوا} في أرض القلوب بعد أن أصلحها الله برفع الوسائط. {وادعوه خوفًا} من الانقطاع {وطمعًا} في الاصطناع، أو خوفًا من الاثنينية وطمعًا في الوحدة، أو خوفًا من الانفصال وطمعًا في الوصال. {إن رحمة الله قريب من المحسنين} الذين لا يرون سواه يرسل رياح العناية فينشر سحاب الهداية سحابًا ثقالًا بأمطار المحبة، سقناه لكل قلب ميت فأنزلنا به ماء المحبة فأخرجنا به ثمرات المكاشفات والمشاهدات، كذلك نخرج موت القلوب من قبور الصدور ولعلكم تذكرون أيام حياتكم في عالم الأرواح إذ كنتم في رياض القدس وحياض الأنس. والبلد الطيب الحي يتخلق بأخلاقه الحميدة {كذلك نصرف الآيات} أي النفوس وصفاتها إلى أوصاف القلب وأخلاقه. اهـ.

الجزء الرابع والسبعون بعد المائتين:
من الآية (59) من سورة الأعراف وحتى الآية (64) من نفس السورة.

.تفسير الآية رقم (59):

قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما طال تهديده سبحانه لمن أصر على إفساده، ولم يرجع عن غيّه وعناده بمثل مصارع الأولين ومهالك الماضين، ونوَّع في هذه الآيات محاسن الدلالات على التوحيد والمعاد بوجوه ظاهرة وبينات قاهرة وبراهين قاطعة وحجج ساطعة، ساق سبحانه تلك القصص دليلًا حسيًا على أن في الناس الخبيث والطيب مع الكفالة في الدلالة على تمام القدرة والغيرة من الشرك على تلك الحضرة- بتفصيل أحوال من سلفت الإشارة إلى إهلاكهم وبيأن مصارعهم وأنه لم تغن عنهم قوتهم شيئًا ولا كثرتهم بقوله تعالى: {وكم من قرية أهلكناها} [الأعراف: 4] وقوله: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة} [الأعراف: 34] الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتقوية لصالحي أتباعه بالتنبيه على أن الإعراض عن الآيات ليس من خواص هذه الأمة بلف هي عادة الأمم السالفة، وعلى أن النعم خاصة بالشاكرين، ولذا كانت النقم مقصورة على الكافرين، فقال تعالى: {لقد أرسلنا} أي بعظمتنا، وافتتحه بحرف التوقع لما للسامع الفطن من التشوف إلى ذكر ما تكرر من الإشارة إليه، ولأن اللام المجاب بها القسم المحذوف لا ينطقون بها غالبًا إلا مقترنة بقد، لأن الجملة القسمية لا تساق إلا تاكيدًا للجملة المقسم عليها التي هي جوابها فكانت مظنة بمعنى التوقع الذي هو معنى قد عند استماع المخاطب كلمة القسم {نوحًا} يعني ابن لمك بم متوشلخ بن خنوخ، وهو إدريس عليه السلام، وكان عند الإرسال ابن خمسين سنة.
ولما كان إرساله صلى الله عليه وسلم قبل القبائل باختلاف اللغات قال: {إلى قومه} أي الذين كانوا ملء الأرض كما في حديث الشفاعة في الصحيحين وغيرهما عن أنس رضي الله عنه، ائتوا نوحًا أول نبي بعثه الله إلى أهل الأرض.
وفيهم من القوة على القيام بما يريدون ما لا يخفي على من تأمل آثارهم وعرف أخبارهم، فإن كانت آثارهم فقد حصل المراد، وإن كانت لمن بعدهم علم- بحكم قياس الاستقرار- أنهم أقوى على مثلها وأعلى منها، ولسوق ذلك دليلًا على ما ذكر جاء مجردًا عن أدوات العطف، وهو مع ذلك كله منبه على أن جميع الرسل متطابقون على الدعوة إلى ما دل عليه برهان {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض} [الأعراف: 54] من التوحيد والصلاح إلى غير ذلك من بحور الدلائل والحجاج المتلاطمة الأمواج- والله الهادي إلى سبيل الرشاد، وكون نوح عليه السلام رسولًا إلى جميع أهل الأرض- لأنهم قومه لوحده لسانهم- لا يقدح في تخصيص نبينا صلى الله عليه وسلم بعموم الرسالة، لأن معنى العموم إرساله إلى جميع الأقوام المختلفة باختلاف الألسن وإلى جميع من ينوس من الإنس والجن والملائكة، وسيأتي إن شاء الله تعالى في سورة الصافات لهذا مزيد بيان.
ولما كان من المقاصد العظيمة الإعلام بأن الذي دعا إليه هذا الرسول لم تزل الرسل- على جميعهم أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام- تدعو إليه، وكان نوح أول رسول ذكرت رسالته عقب ذكر إرساله بذكر ما أرسل به بالفاء بقوله: {فقال يا قوم} أي فتحبب إليهم بهذه الإضافة {اعبدوا الله} أي الذي له جميع العظمة من الخلق والأمر، فإنه مستحق لذلك وقد كلف عباده به.
ولما كان المقصود إفراده بذلك، علله بقوله مؤكدًا له بإثبات الجار {ما لكم} وأغرق في النفي فقال: {من إله غيره} ثم قال معللًا أو مستأنفًا مخوفًا مؤكدًا لأجل تكذيبهم: {إني أخاف عليكم} في الدنيا والآخرة، ولعلة قال هنا: {عذاب يوم عظيم} وفي هود {أليم} [هود: 26] وقال في المؤمنون {أفلا تتقون} [المؤمنون: 23] لأن ترتيب السور الثلاث- وإن كان الصحيح أنه باجتهاد الصحابة رضي الله عنهم- فلعله جاء على ترتيبها في النزول، لأنها مكيات، وعلى ترتيب مقال نوح عليه السلام لهم فألان لهم أولًا المقال من حيث إنه أوهم أن العظم الموصوف به {اليوم} لا بسبب العذاب بل الأمر آخر، فيصير العذاب مطلقًا يتناول أي عذاب كان ولو قل، فلما تمادى تكذيبهم بين لهم أن عظمه إنما هو من جهة إيلام العذاب الواقع فيه، فلما لجوا في عتوهم قال لهم قول القادر إذا هدد عند مخالفة غيره له: ألا تفعل ما أقول لك؟ أي متى خالفت بعد هذا عاجلتك بالعقاب وأنت تعرف قدرتي. اهـ.